تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

مدارس الكنائس في الجزيرة السوريّة... سبعون سنة من التعليم على وشك الانطفاء

سوريا

سوريا - تشهد منطقة الجزيرة السورية توترًا متجددًا بين الكنائس و«الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا» عقب التوجيه بإغلاق المدارس التابعة للطوائف المسيحية، بسبب رفضها تدريس منهاج الإدارة الذاتية وإصرارها على مواصلة تدريس منهاج وزارة التربية السورية في دمشق.

أكد الشماس المهندس سعد أنطي، عضو تجمع المدارس الكاثوليكية في سوريا، أنّ هذا التوجيه أدى إلى إغلاق 22 مدرسة مسيحية موزعة في مدن القامشلي والحسكة والمالكية والدرباسية والقحطانية، تتبع لسبع طوائف مسيحية. ووصف ذلك بـ«الاستهداف المباشر لدور الكنيسة التاريخي في التعليم».

تصاعُد الضغوط

أضاف: «شكّلت مدرسة "الموحدة الخاصة" في الحسكة، المؤسّسة عام 1953، باكورة مدارس أخرى تحمل الاسم نفسه وتدار من الكنائس الكاثوليكية الثلاث؛ عدا عن المدارس الأرثوذكسية (الأرمن والسريان) والإنجيلية (الوطنية المشيخية) وتلك التابعة لكنيسة المشرق الآشورية. قبل العام 2011 كانت تلك المدارس تتمتع بحرية كاملة في إدارة شؤونها، لتتغيّر الصورة جذريًّا بعد الأزمة وبروز سلطة الإدارة الذاتية».

يعود أنطي إلى العام 2017، حين سجِّلت أولى محاولات الإدارة الذاتية فرض مناهجها على المدارس الكنسية، إذ تعرضت مدرستا الأمل والنهضة لمحاولات إغلاق بعد رفضهما تدريس المنهاج الجديد. وقال: «تدخّل حينها حزب الاتحاد السرياني -أحد مكونات الإدارة الذاتية- وكانت تسوية أبقت على مناهج الدولة السورية مع زيادة حصص اللغة السريانية. لكنّ الضغوط تكرّرت سنويًّا حتى باتت الكنائس تعدّها رسالة غير مباشرة إلى المسيحيين لمغادرة البلاد».

منعطف جديد

أكد أنطي أنّ بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على كامل مناطق شمال شرق الفرات أواخر العام الماضي، تصاعدت الأزمة مجددًا. فقد طالبت الإدارة المدارس الكنسية بإغلاق أبوابها إن لم تعتمد مناهجها التعليمية، لكنّ ضغط الكنائس وبعض الجهات السياسية أدى إلى تسوية موقتة سمحت باستمرار التعليم وفق مناهج الحكومة للعام الدراسي 2024-2025، مع منع الطلاب من تقديم امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية الرسمية.

وتابع: «هذا القرار دفع عائلات عدة لنقل أبنائها إلى محافظات أخرى بهدف متابعة تعليمهم، فيما اضطر آخرون للبقاء. وبعد وساطات مع منظمات دولية، سمحت الإدارة الذاتية بتقديم الامتحانات بإشراف من اليونيسف. وبشكل عامّ، كانت أزمة التعليم من الأسباب الرئيسة لهجرة المسيحيين في الداخل وإلى الخارج».

 تفاؤل قصير الأمد

أشار أنطي إلى أنّ العام الدراسي انتهى وسط تفاؤل حذر، خصوصًا بعد توقيع تفاهم بين قسد والدولة السورية في مارس/آذار الماضي، ما ترك انطباعًا بأنّ العملية التعليمية ستسير بشكل طبيعي. لكنّ المدارس المسيحية تلقّت الشهر الماضي تنبيهات من الإدارة الذاتية بضرورة التزام منهاجها التعليمي. تمسكت الكنيسة بتدريس منهاج الدولة السورية، أو اعتماد المنهاج «ب» الذي طورته اليونيسف بالتعاون مع وزارة التربية سابقًا بصفته حلًّا وسطيًّا، إلّا أنّ الإدارة الذاتية رفضت المقترح ولم تفلح الاجتماعات بين الطرفين، ولم يستطع ممثلو الكنائس مقابلة الجنرال مظلوم عبدي (قائد قسد).

وكشف أنطي عن آخر اجتماع لممثلي الكنائس السبع في الجزيرة عُقد قبل أيام، تقرّر فيه توجيه مذكرة رسمية إلى عبدي، والإصرار على رفض تدريس منهاج الإدارة الذاتية، وإغلاق المدارس وقرع أجراس الكنائس في حال عدم اجتراح أيّ حلّ. وأعلن أيضًا تلقي الكنائس تعليمات جديدة من الإدارة الذاتية لا يلزمها بمنهاجها فحسب بل أيضًا بتقديم التعليم مجانًا رغم أنّ كلفة التعليم في هذه المدارس مرتفعة. وختم: «هذا الطلب يهدف إلى زيادة الضغط علينا، رغم أنّ كثيرين من أبناء القيادات في الإدارة الذاتية يدرسون في مدارسنا ويعرفون قيمتها».

المصدر: آسي مينا.